في تقليد مغربي متواصل منذ نحو نصف قرن، يحضر ملك المغرب محمد السادس لدرس من سلسلة "الدروس الحسنية" لهذا العام، وهي مجموعة محاضرات علمية يلقيها علماء من المغرب والعالم الإسلامي في حضرة الملك والوزراء وكبار ضباط الجيش والأمن ومسئولي الدولة خلال شهر رمضان المبارك. وتحمل هذه الدروس، التي يتفرد بها المغرب، اسم الملك الراحل الحسن الثاني، الذي انطلقت على يديه عام 1963، أي بعد سنتين فقط من توليه الحكم، خلفا لوالده الراحل محمد الخامس.
وتنص القواعد المنظمة لـ"الدروس الحسنية" على أن يفتتحها وزير الشئون الإسلامية، يليه أحد ضيوف الملك من علماء العالم الإسلامي، ثم يتبعه عالم مغربي، وهكذا حتى نهاية الشهر الفضيل.
حضور متميز
ومنذ انطلاقها تشهد "الدروس الحسنية" حضورا متميزا لعلماء مغاربة ومسلمين، من أبرزهم الشيخ أبو الأعلى المودودي، والشيخ أبو الحسن الندوي، والعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، والزعيم المغربي علال الفاسي.
وحضرها شيخ الأزهر الراحل جاد الحق علي جاد الحق، والراحل الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وشيخ الأزهر الحالي الدكتور محمد سيد طنطاوي، والعالم المغربي الراحل عبد الله كنون، والعالم الموريتاني الشيخ عبد الله بن بيه، والمفكر الإسلامي محمد سعيد رمضان البوطي، وغيرهم.
كما كان الإمام الشيعي موسى الصدر، الذي يتهم بعض الشيعة ليبيا باختطافه، أحد العلماء الذين ألقوا الدروس أمام الملك الحسن الثاني.
وللمرأة نصيب..
وشهد عهد الملك الحالي مشاركة المرأة للمرة الأولى في "الدروس الحسنية"، حيث ألقت الدكتورة رجاء الناجي المكاوي، الأستاذة بكلية الحقوق جامعة محمد الخامس، في رمضان 2003 درسا بعنوان "النظام الأسري الإسلامي مقارنة بما عليه الوضع الأسري في المجتمعات الغربية".
وفي رمضان التالي أصبحت الدكتورة عائشة الحجامي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض في مراكش، ثاني سيدة تشارك في "الدروس الحسنية"، تلتها فريدة زمرد الأستاذة بدار الحديث الحسنية، بدرس عام 2005 حول "المرأة في القرآن بين الطبيعة والوظيفة".
واعتبرت الأخيرة في تصريح لشبكة "إسلام أون لاين.نت" أن "مشاركة المرأة في الدروس الحسنية مثلت منعطفا نوعيا أبرز قدرات السيدات المغربيات في مجال الفقه والعلوم الشرعية".
وأضافت أن "مشاركة المرأة تلقى تشجيعا لافتا من العلماء الذين يحضرون الدرس، وهو دليل على مكانة المرأة في مجال العلم الشرعي".
فذروا البيع..
وشهدت "الدروس الحسنية" التي تقام في رحاب القصر الملكي بالعاصمة الرباط العديد من الطرف، أشهرها ما ذكره الإعلامي المغربي رشيد سليماني عن نقاش ساخن دار بين الملك الراحل الحسن الثاني والعالم المغربي الشيخ الحسن بن صديق.
ففي رمضان عام 1409 هـ (1989) ألقى بن صديق درسا عن "الدين بين الاتباع والابتداع" انتقد خلاله إبرام العقود وقت صلاة الجمعة، مفتيا ببطلانها استنادا إلى الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ" [الجمعة : 9].
واعتبر الملك الراحل حديث بن صديق تلميحا لبطلان معاهدة "اتحاد المغرب العربي"، التي أبرمت يوم 17 رمضان من العام نفسه وقت صلاة الجمعة، التي لم يؤدِّها قادة البلدان العربية الخمسة الموقعة على المعاهدة إلا قبيل أذان العصر بنصف ساعة تقريبا.
فما كان من الملك إلا أن قاطع الشيخ غاضبا: "أتمم الآية يا فقيه"، فتلا الشيخ قوله تعالى: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [الجمعة : 10]، فعاود الملك المقاطعة على غير عادته، منبها الشيخ إلى أنه مطالب بإتمام الدرس في غضون خمس دقائق ليس أكثر.
وبخلاف مثل هذا الموقف اتخذت عقب بعض "الدروس الحسنية" قرارات مهمة، منها قرار إنشاء "دار الحديث الحسنية" المتخصصة في تخريج علماء في مجال العلم الشرعي عام 1964.