| المواطنة | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
المهدي مذكر
عدد الرسائل : 67 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: المواطنة الثلاثاء أبريل 29, 2008 3:29 pm | |
| أيمكن بشيء من التفكير السليم تحديد مواصفات لقياس حب الوطن عند أي مواطن؟ أتمنى المشاركة بالإجابة قدر قراءاتكم العامة وكذلك ما تعتقدونه حول هذا الموضوع...
الموضوع مهم ويحتاج إلى إضافات واجتهادات منكم جميعاً... أرجو المشاركة من الجميع... انتظروا مشاركتي المتواضعة بعد قليل.. فقط أرجو من الجميع أخذ الأمر على محمل الجد..[/ | |
|
| |
scoutwatani Admin
عدد الرسائل : 885 العمر : 59 الموقع : منظمة الكشاف الوطني العمل/الترفيه : كشفي قيادي عالي جدا : دائما مستعدة تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| |
| |
ندى الكشفية المراقبة العامة
البلد : maroco عدد الرسائل : 1867 العمر : 49 الموقع : scout العمل/الترفيه : ************ عالي جدا : رائع جدا جدا تاريخ التسجيل : 13/03/2008
| موضوع: رد: المواطنة الأربعاء أبريل 30, 2008 12:26 pm | |
| | |
|
| |
المهدي مذكر
عدد الرسائل : 67 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: رد: المواطنة الخميس مايو 29, 2008 4:30 pm | |
| صدر، عن (دار ما بعد الحداثة) في فاس، كتاب جديد للمفكِّر المغربي الدكتور مصطفى القبّاج، عنوانه " مقاربات في الحوار والمواطنة ومجتمع المعرفة". يتألَّف الكتاب من ست دراسات قدّمها المؤلِّف في مؤتمرات فكريّة، وطنيّة ودوليّة. عناوين هذه الدراسات كالآتي: التفاعُل الإيجابيّ بين الحضارات، كيف نؤسِّس أخلاقاً للحوار، من الواجهات السلبيّة للحوار العربي الأوربي، التربية على المواطنة والحوار وقبول الآخر، مدارات المواطنة المعاصرة، مجتمع المعرفة والتغيّر الثقافي. على الرغم من أنّ ثلاثة من هذه العناوين تتناول الحوار، فإنّ للمؤلِّف تحفُّظات على الحوار بين الثقافات والأديان لسببين رئيسين: الأوّل، إنّ أطراف الحوارات التي تجري في الوقت الحاضر غير متكافئة. الثاني، إنّ الحوارات التي جرت، منذ ما يقرب من القرن من الزمن، لم تنفع في حلّ المشكلات التي تواجهها منطقتنا، وفي مقدِّمتها القضية الفلسطينيّة. ومن ناحية أخرى، فإنّ للمؤلِّف تحفّظات على الحداثة التي يُراد تسريبها جاهزة إلى البلاد العربيّة، لأنّ الحداثة، بوصفها نسقاً كليّاً وصيرورة تاريخيّة، اكتملت بل تمّ تجاوزها من قبل الغرب. ولكن العالم العربيّ غير مستعدّ لتقبّل وتمثّل الحداثة التي تتمخّض عنها دولة المؤسسات وحقوق الإنسان؛ وذلك لأنّ الحداثة، عندنا، لم تستوفِ شروطها ولم تستكمل مراحلها المنطقيّة. فنحن لم ندخل بعد عصر التنوير الذي يُعدّ شرطاً من شروط الحداثة. فما زال العربيّ ينظر إلى المواطنة، مثلاً، بمنظار الانتماء العرقيّ أو الدينيّ أو المذهبيّ أو العشائريّ، على حين أن الحداثة تنظر إلى المواطنة بوصفها انتماءً فكرياً وقانونياً للدولة، وأنّ الدولة الحداثيّة العصريّة ترى في المواطنين أعضاءَ متساوين يتمتعون جميعاً بحقوق الإنسان بما في ذلك الحقوق الطبيعية والمدنية والسياسية والاقتصادية؛ وتضمنها لهم الدولة. يرى الدكتور القبّاج أنّ دخول العالم العربيّ عصر الحداثة رهين بنشر (الثقافة العلميّة) من خلال ( النظام التعليميّ ) الذي ينبغي أن يزود جميع التلاميذ بالأدوات اللازمة للتحليل والتقييم والإبداع، ويدرّبهم على الحوار والانفتاح وقبول الآخر والرأي الآخر. فهذه الثقافة العلميّة هي التي تُسهم في تطوير المجتمع سياسياً واقتصادياً، وفي تغيير العقليّة العربيّة التقليديّة، وإيجاد (مجتمع المعرفة) الذي يستطيع تحقيق التنمية البشرية الشاملة، وتقليص الفجوة الرقميّة السحيقة القائمة بين الغرب التكنولوجيّ والشرق التقليديّ. وإذا كنا نتفق مع الدكتور القباج حول أهمية الدور الذي يضطلع به النظام التعليمي في نشر ثقافة حقوق الإنسان والثقافة العلميّة وإيجاد مجتمع المعرفة، فإنّنا نحسب أنّ النظام التعليمي وحده لا يكفي لتحقيق ذلك، بل لا بُدّ من مشاركة جميع الأنظمة المجتمعية طبقاً لاستراتيجية تضعها الدولة وتلتزم بها لتفعيل هذه الأنظمة، كالنظام السياسي، والنظام الاقتصادي، والنظام القضائي، والنظام الإعلامي، إلخ. فإذا أخذنا النظام السمعي البصري، مثلاً، في بلادنا العربية، نجده يعمل بجدّ ونشاط على تغييب الثقافة العلمية عن طريق فضائيات متخصّصة في الأغاني الجسدية والموسيقى الهابطة والألعاب الرياضية الشعبية، ما يُلهي الشباب ويُبعدهم عن الفكر والثقافة العلمية، حتى في برامج الفضائيات والإذاعات التي تملكها الدولة. وكان من نتيجة ذلك أن الثقافة العلمية لا سوق لها, وأن دور النشر العربية لا تُقبِل على نشر الكتب العلمية، بل تقتصر في جل منشوراتها على كتب الثقافة التقليدية، ناهيك بالحواجز العديدة في وجه انتقال الكتاب العربي وانتشاره. عوامل قيام الحضارات: وإذا كانت معظم دراسات هذا الكتاب الجديد قد تطرّق إليها المؤلِّف، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في مؤلَّفاته السابقة مثل كتابه " مقاربات فكرية وسياسية في الشأن العربي الراهن" (1999)، وكتابه " التربية والثقافة في زمن العولمة" (2002)، وكتابه " حوار الثقافات وحقوق الإنسان في زمن العولمة" (2005)، فإنّ كتابه الأخير يضمّ مقاربة جديدة حول القوانين التي تتحكّم في نشوء الحضارة ونضجها وانهيارها. وهذه المقاربة تقع ضمن مبحث ( تاريخ الحضارات المقارن) وهو فرع من فروع فلسفة التاريخ. يستعرض المؤلِّف، أوّلاً، نماذج من النظريّات المتعلِّقة بالموضوع، مثل النموذج الإفلاطوني كما هو مشروح في كتاب " الجمهورية" الذي ينصّ على أنّ قيام دولة متطوّرة سياسياً يعتمد على تولّي الفلاسفة شؤون تدبيرها. أما النموذج الثاني فهو النموذج الخلدوني المطروح في " المقدمة " التي فسّر فيها ابن خلدون آليات وسيرورات الانتقال من البداوة إلى الحضارة، وكيف أنّ أهل الدول، في طور الحضارة، يقلّدون الدول السابقة لهم ويأخذون عنهم، ويتفنّنون في إحكام الصنائع المستعملة، من أجل تحقيق الرفاهية وترقية الحياة. ولمثل هذا ينحى النموذج الثالث الذي بسطه باروخ دي سبينوزا (من فلاسفة القرن السابع عشر في أوربا) في " كتاب السياسة" القائل إنّ المجتمع المتحضِّر يتأسّس على العقل الذي يساعد الإنسان على الانتقال من طور الطبيعة إلى طور التمدُّن بدافع من رغباته الطبيعية الضرورية. أما نموذج فيلسوف التاريخ الإنجليزي أرنولد توينبي، في القرن العشرين، فيرى أنّ نشوء الحضارة على أنقاض حضارة سابقة يتحكّم فيه قانون التحدي والجواب، إذ تأتي الحضارة الجديدة بإجابات ذات طبيعة عقلانية إبداعية تمتاز بقوة التخيّل. يخلُص المؤلِّف من ذلك كلّه إلى أنّ الحضارة فضاء وشكل؛ فضاء لأنّها تتجاوز حدود الوطن فهي مشتركة بين عدّة مجتمعات وشعوب؛ وهي شكل لأنّ معالمها الأساسيّة تتجلّى في التعقّد واللاتجانس، وفي درجة عالية من التطوّر التقني، والضبط السياسي، والإبداع في الآداب والفنون والعلوم. والحضارات متعاقبة غير متعاصرة. ويتحكّم في سيرورة الانتقال من حضارة إلى أخرى جهد عقلي مبدع يولد بالاختلاط وتفاعل العقول وتلاقُحها، ويتحقّق مؤسّسياً بقرار تتخذه وتنفّذه النُّخب السياسية بهدف البناء والتشييد، وفقاً لمفهوم ( تفاعل الحضارات) الذي يتمّ عبر قنوات القراءة والبحث والترجمة، ويتطلّب التركيز على الفعل البنّاء وتجاوز نقاط التباعد والتنافر، كما يتطلّب حواراً بين الحضارات وتعاوناً سليماً مشتركاً، ويفترض إقصاء منطق العنف والمواجهة المسلّحة. الحضارة العربية الإسلامية مثالاً : ويضرب المؤلِّف مثالاً لمقاربته في الحضارة العربية الإسلامية التي ازدهرت في عصر التدوين حين تبنّت الدولة الإسلامية الاستفادة العملية من الحضارات السابقة لها، فنقلت علوم الهند، وفلسفة الإغريق، وآداب الفرس إلى اللغة العربية؛ وشجّعت الإنتاج الفكري، وأجهزت على المذهب الجبري، وآثرت العقل والتعقّل على النقل والنصّ، وعمّقت روح التسامح والتحرّر، من أجل تطوير نظرة الفرد إلى الإنسان والطبيعة والكون. خاتمة: يُعدّ هذا الكتاب للدكتور مصطفى القباج إضافة جيّدة إلى المقاربات النهضوية القيمة التي اضطلع بها عدد من المفكرين المغاربة مثل علال الفاسي، وعبد الهادي بوطالب، وعزيز الحبابي، ومحمد عابد الجابري، وعبد الله العروي، وعبد الكبير الخطيبي ، وطه عبد الرحمن، ومحمد سبيلا، وعبد العالي؛ وهدفها وضع الأسس الفكرية لنهضة سياسية واجتماعية جديدة في بلادنا العربية تؤدّي إلى تنمية شاملة. وتذكّرنا هذه الجهود بما نادى به المفكرون العرب في المشرق خلال القرن التاسع عشر. وفي تقديري أنّ النهضة العربية الجديدة ستنطلق هذه المرّة، نظرياً وعملياً، من المغرب الأقصى.
| |
|
| |
Admin Admin
البلد : المغرب عدد الرسائل : 1275 العمر : 62 الموقع : منظمة الكشاف الوطني العمل/الترفيه : كشفي قيادي عالي جدا : دائما مستعد تاريخ التسجيل : 13/09/2007
| موضوع: رد: المواطنة الجمعة مايو 30, 2008 1:24 pm | |
| المواطنة المواطنة هي وحدة الانتماء والولاء من قبل كل المكون السكاني في البلاد على أختلاف تنوعه العرقي والديني والمذهبي للوطن الذي يحتضنهم,وأن تذوب كل خلافاتهم واختلافاتهم عند حدود المشاركة والتعاون في بناءه وتنميته والحفاظ على العيش المشترك فيه المواطنة كإنتماء عضوي بالدولة لا تحيا أو تتفعّل دونما حاضن ديمقراطي يهبها الإنتماء والإعتراف والتجذّر، فالعلاقة بين المواطنة والديمقراطية علاقة توأمة لأية تجارب تُنتجها الجماعة السياسية المكونة للدولة، كون أنَّ الديمقراطية تقوم على أساس الإعتراف بالإنسان وحقوقه الأساسية من كرامة واختيار وحرية وإرادة، وعلى أساس حق المواطن بالتعبير والمشاركة وصُنع القرار.. وهي ذاتها مقومات المواطنة الفعّالة والصالحة في ظل الإنتماء للدولة الحديثة، من هنا كانت المواطنة الديمقراطية أساس الفاعلية الإجتماعية لأنها تهب شروط النهضة وركائز الفاعلية الإنسانية والوطنية.
إنَّ المشروع الحضاري الديمقراطي التي تُشكّل المواطنة الفعّالة عموده الفقري هو الضامن لإنتاج فاعلية إجتماعية تصاعدية من خلال إنتاجه للسلطة الحيادية تقف على مسافة واحدة من الكُل الوطني بعيداً عن الإقصاء والتهميش والإكراه والحجر، وهو الموفر لمقومات البناء والبقاء من خلال حله لإشكاليات السلطة والإدارة العامة للمشروع الإنساني السياسي. من هنا كان المجتمع الديمقراطي هو ذلك المجتمع المتناغم في تشكيلاته الهادفة لإقرار المصالح العامة التي تعود على مؤسساته وأفراده بالنفع المباشر، وهو المجتمع الممتليء أصالةً وسيادةً ووعياً لذاته وأدواره ومسؤولياته، وهو المجتمع الرافض ثقافياً ومعرفياً وعملياً لشرعية القوة والإحتكار السياسي للحياة العامة، وهو مجتمع الإختيار والقانون لا مجتمع القوة والإستبداد، إذ لا يتأسس على الغريزة والخوف بل يقوم على الحرية المُنتجة للإختيار والقانون المُنتج للنظام، لذا فالحركية والفاعلية والإبداع والتقدم نتائج موضوعية للمجتمع القائم على أساس المواطنة الديمقراطية . | |
|
| |
scoutwatani Admin
عدد الرسائل : 885 العمر : 59 الموقع : منظمة الكشاف الوطني العمل/الترفيه : كشفي قيادي عالي جدا : دائما مستعدة تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: رد: المواطنة الجمعة مايو 30, 2008 2:36 pm | |
| المواطنة والدولة المواطنة تعبير قانوني يشير الى علاقة الفرد بالدولة، فضلاً عما تختزنه هذه الكلمة من دفق شعوري، نسمّيه الوطنية، وهو شعور مرتبط بالأرض أو الوطن، أكثر من ارتباطه بالدولة. وهذا ربما كان الفرق الجوهري بين المواطنية والوطنية. وليس ثمّة ترابط عضوي بين الكلمتين. فقد يكون المرء مواطناً في دولة، لكنه لا يكون وطنياً، وقد يكون وطنياً، من دون أن تتحقّق له صفة المواطنة. فالمشاعر لا تعبّر دائماً عن الوضع القانوني، والعكس صحيح. في المواطنة طرفان، الفرد والدولة. وهما طرفان وجوديّان، يتوقّف وجود أحدهما على وجود الآخر. فلا دولة بلا مواطنين، ولا مواطنين من دون دولة. المواطنة هي حصيلة وجود هذين الطرفين في مكان واحد وفي زمان واحد. ليست المواطنة صفة تكوينية، إنما هي صفة مكتسبة، فالإنسان لا يولد مواطناً، كمثل قولنا إنه يولد حرّاً. يولد الفرد من أبوين مواطنين في دولة قائمة، فيرث عنهما المواطنة في هذه الدولة القائمة؛ أو يتقدّم الفرد للحصول على مواطنية هذه الدولة، إذا انطبقت عليه شروطها، فتمنحه الجنسية، أي المواطنة. وبذا يتحقّق البعد الصوري أو الشكلي للمواطنة. علاقة تفاعلية: لكن المواطنة الصورية لا تعني شيئاً ما لم تتجسّد عملياً في عالم الواقع. وكما كانت المواطنة علاقة من طرفين، فإن تحقّقها هو ثمرة تفاعل الطرفين، فالمواطنة علاقة تفاعلية، وليس صورية أو قانونية فقط، بين طرفين، هما الفرد والدولة. وتستبطن العلاقة التفاعلية بين الفرد والدولة منظومة واجبات والتزامات متبادلة. تصون الدولة للمواطن حرّيته، وتحفظ له حقوقه، وتقدّم له الخدمات الضرورية، وتؤمّن له حياة الرفاهية، فيما يؤدّي المواطن التزاماته إزاء الدولة، مثل التقيّد بقوانينها، ودفع الضرائب، والدفاع عنها، وربما، كما يقول هوبزباوم، الخدمة الالزامية العسكرية، أيضاً. وقبل كل ذلك الولاء لها. ولكننا لا نتوقّع من المواطن أن يقوم بكل هذه الأمور، قبل أن تحسن الدولة القيام بواجباتها إزاء مواطنيها. فالمواطن، في نهاية المطاف، كائن دنيوي، يسعى الى مصالحه الخاصة، وما لم يشعر أن هذه الدولة تحقّق له دنياه وتضمن ما هو مشروع من مصالحه فيها وتوفّر له ما هو ضروري من متطلّباته، فإن اندفاعه الذاتي الى القيام بما يترتّب عليه من أعباء ووظائف في علاقته التفاعلية معها، سوف يضعف وقد ينقلب الى ضده، إذا صارت العلاقة التفاعلية مجرّد حالة من «الغربة» بين الدولة ومواطنها. ليست هذه العلاقة التفاعلية متكافئة، بمعنى أن دور كل طرف فيها ليس مساوياً لدور الطرف الآخر من حيث الحجم والقوّة وعمق التأثير. فالمعادلة ثقيلة من جانب الدولة، لأنها بعدما تقوم، ستملك ما لا يملكه الفرد من كل هذا، من احتكار العنف، وسلطة التشريع، وقوّة التنفيذ، وأدوات الترغيب والترهيب. ولهذا قيل «شعرة معاوية»، ومعاوية هنا ترميز للدولة، وليس للفرد المواطن، والذي يحفظ هذه الشعرة ويديمها هو الدولة وليس الفرد. بل إن الفرد قد يسعى الى التوصّل الى حقوقه بمقدار ما توفّره له هذه الشعرة = العلاقة من أدوات العمل والتأثير. يتطلّب هذا أن تكون الدولة سامية، وأن ينجح المجتمع في إقامة دولة سامية له، حتى تشتغل العلاقة التفاعلية بينها وبين أفرادها على أحسن وجه ممكن بشرياً. وقد تحدّث الفلاسفة والمفكّرون منذ قديم الزمان عن «المدينة الفاضلة» كما دعاها الفيلسوف أبو نصر الفارابي، المتوفّى في سنة ٣٣٩ هجرية، تمييزاً لها عن المدينة الجاهلية، والمدينة الفاسقة، والمدينة الضالّة. وربط، في كتابه «السياسة المدنيّة»، مفهومَ المدينة الفاضلة بما اعتبره الغاية القصوى من الوجود الإنساني وهو «بلوغ السعادة القصوى»، وقال إن وظيفة الدولة أن تعمل على «إزالة الشرور وتحصيل الخيرات» الطبيعية والارادية للوصول الى هذه السعادة القصوى. ووضع الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل (١٧٧٠ـ ١٨٣١) في كتابه «فلسفة الحق» الدولةَ في مكان سام رفيع، وتحدّث عنها بطريقة تقرب الى الشاعرية، وتنتج، عند التفاعل الايجابي معها، حباً، بل عشقاً للدولة. فالدولة عنده هي الروح في الأرض، إنها كل أخلاقي، بل التحقّق الأعلى للفكرة الأخلاقية على الأرض، وهي التموضع الأعلى للعقلي الكلّي، والتحقّق العيني للحرّية وهي روح الأمّة، والدستور هو روحها، فهو إذن روح الأمّة أيضاً. الحرّية والقانون: ونص هيغل على غاية دولته ووضع أساساً لها. فأما غايتها فهي حرّية الإنسان وأما أساسها فهو القانون. والحرّية لا تعني، عند هيغل، العمل طبقاً لرغبة ذاتية أو هوى أو ميل أو رأي ظني، أو شعور، بل طبقاً لما حق وصواب وخير. والدولة الخيرة هي التي تحدّد الخير والصواب عبر قانونها، والإنسان لا يبلغ حرّيته إلا كمواطن، فمن خلال عضويّته في الدولة، يصبح الشخص حرّاً بمقدار ما يتعرّف على وحدته العضوية مع الكل الاجتماعي. ويكون المرء حرّاً عندما يستجيب ويحقّق بالفعل مصلحته الأساسية بوصفه موجوداً بشرياً، عندما يحقّق حقوقه وواجباته في المؤسّسات الاجتماعية والأسرية، والحرّية نشاط مستمر، فضلاً عن كونها سعياً نحو تحقيق الذات. والقانون هو أساس الدولة، فدولة هيغل دولة قانون يمثّله الدستور. الدولة نظام تفاعلات على ثلاثة مستويات: تفاعلات بين الدولة والناس، أو المجتمع والأفراد، وتفاعلات بين مؤسّسات الدولة، وتفاعلات بين الناس أنفسهم. والدستور هو تنظيم لهذه التفاعلات، والمنهج الذي بوساطته تتوزّع حقوق المواطنين وواجباتهم وأنشطتهم. وسيادة القانون من أهم معالم الدولة الحديثة. وهو الأداة التي تحمي الدولة من «الشخصنة». أي اختزال الدولة بأشخاص القابضين عليها أو شخص المتغلّب عليها. والقانون شرط الحرّية؛ بشرط أن يكون قانوناً عادلاً وعقلانياً ونتاجاً لعمل المواطن نفسه أو من يمثّله في العملية التشريعية. والمواطن حين يطيع القوانين الموصوفة بهذه الصفات فإنه يحقّق حرّيته، لأن القانون الذي يطيعه إنما هو تعبير عن إرادته وغايته الحقيقية. وحين يغيب القانون يوجد الاستبداد، فالاستبداد هو الحالة التي يغيب فيها القانون. وغياب القانون لا يعني عدم وجود ورقة قانونية فقط، وإنما قد يغيب على مستوى التطبيق. وهذا الغياب التطبيقي يولّد ليس الاستبداد فقط، كما قال هيغل، وإنما أيضاً الفساد. لأن مخالفة قانون موجود على الورق تعني فساداً في الادارة سقوط الى تحقيق الرفاهية في حياته الدنيوية، أو بعبارة الفارابي: إزالة الشرور وجلب الخيرات، وبعبارة الأصوليين: دفع المفاسد وتحقيق المنافع.
| |
| |
|
| |
scoutwatani Admin
عدد الرسائل : 885 العمر : 59 الموقع : منظمة الكشاف الوطني العمل/الترفيه : كشفي قيادي عالي جدا : دائما مستعدة تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| |
| |
Admin Admin
البلد : المغرب عدد الرسائل : 1275 العمر : 62 الموقع : منظمة الكشاف الوطني العمل/الترفيه : كشفي قيادي عالي جدا : دائما مستعد تاريخ التسجيل : 13/09/2007
| موضوع: رد: المواطنة الجمعة مايو 30, 2008 4:32 pm | |
| وخلاصة إن المواطنة الحقيقة، تعبر عن نظافة في الباطن من الغش والكذب والخداع، ونظافة في الظاهر في التعامل في مكتب وشارع أو مع أسرة وصديق، والوطن والانتماء إليه بالمواطنة، مفهوم واسع يشمل التزاماً بالحقوق والواجبات، وحفظاً للمكتسبات، وصدقاً مع الأفراد والجماعات، إنه مبدأ يتسع للابتداء بالسلام ويحلق إلى مبايعة الإمام، وفي الأولى تمنح من تسلم عليه صفحة كفك، أما في الأخرى فإنك تمنحه ثمرة الفؤاد، ولا روعة في التضافر والتكافل والتآزر كهذه الروعة!
| |
|
| |
scoutwatani Admin
عدد الرسائل : 885 العمر : 59 الموقع : منظمة الكشاف الوطني العمل/الترفيه : كشفي قيادي عالي جدا : دائما مستعدة تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: رد: المواطنة الجمعة مايو 30, 2008 4:36 pm | |
| وأخيرا أحبائي فإن المواطنة حقاً.. صدق في الولاء.. وجد في العطاء وعدة في البلاء ورحمة في الرخاء، المواطنة حقاً هي بيعة للوالي، وحفظ للمال، وأمانة في الأقوال والأفعال، والقيام بالحق والعدل! وباختصار شديد.. فالمواطنة نزاهة قلب ويد وقلم، ومشاركة في الفرح والألم وحفظ للأعراض والذمم.. وبذلك يعلو البناء بتلك اللبنات المباركات، وتندثر فقاعات الادعياء كما احتمل السيل زبداً رابياً!
| |
|
| |
المهدي مذكر
عدد الرسائل : 67 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: رد: المواطنة الإثنين يونيو 02, 2008 4:37 pm | |
| فأما الوطن: فهو كل ما نشتاق اليه عند ذاكرة المكان.. وأما المواطنة: أن نخلص لهذه الذكرى.. واما المشكلة: عندما نخلط بين الوطن وحكامه!! فنحقد على الوطن من جور حكامه او نحب حكامه لأننا نعشق الوطن!!
هذا ما يقوله/ اياد / في أحد المواقع الالكترونية ... بالرغم من أن الحديث عن الوطن دون تدخل العاطفة يصبح أكثر صعوبة بالنسبة للمغترب. لكن يبدو أن فتح ملف الوطن والمواطنة صار حتمياً لتوضيح المعنى بعيداً عن الملابسات الببغائية والشعاراتية والطوباوية والتي صارت تتردد كثيراً حتى اختلطت الرؤية وتداخل الحابل بالنابل. من المفيد في البداية التمييز بين الشعور الغريزي بالانتماء - والذي يبقى مبهماً وعفوياً ولا يؤدي إلى هدف أو نتيجة ، كونه في النهاية غير متفاعل وغير ايجابي، يقف مكتوفاً أمام الهزائم والفساد والمشاكل المتراكمة- وبين الانتماء المبني على الوعي الذي ينتقل من آلية الشعور الفضفاض، إلى آلية السلوك الهادف متحولاً إلى مشاركة وتفاعل ومسؤولية ففي النهاية : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته المسؤولية ليست وحيدة الاتجاه بل هي علاقة تبادلية مابين الحقوق والواجبات، وكذلك الأمر بالنسبة للمواطنة بمفهومها الصالح .. بمعنى أن المواطنة ليست علاقة نفعية بين وطن ومواطن تعتمد على مقولة " وانا شو رح استفيد" تلك الجملة التي تلطم وجه الوطن وتوازيه كقيمة بمدى الفائدة من نفوذ ومال ونفعية. لكنها علاقة ثنائية الاتجاه فما يصب في صالح الوطن هو لصالح المواطن " بالمفترض" وإذا كان المواطن بخير فهذا سيجعل الوطن بألف خير.. المرفوض أن تكون المصلحة مسبقة الدفع كما يخطر للكثيرين. حب الوطن ليس أهزوجة ننشدها في المناسبات الرسمية، وليس شعاراً مؤسساتياً يفرضه انتماء حزبي ما ، كما أنه ليس بهرجة كلامية في خطاب سياسي لأجل التشدق .. بل هو أمانة علينا أن نكون مؤهلين لحملها ضمن إطارات الوعي والفهم والمصلحة العامة " الأشمل" ، كي نكون جزءا من نسيج الوطن وكي يصبح الوطن نسيجنا . السؤال الذي يدركني دائماً هو : ما الذي خلخل مفهوم المواطنة عن سياقاته المتعارفة، وجعله مراوغاً وغير واضح المعالم، بل وغير كاف للانتماء، أولبذل الجهد والكف عن سلوك موقف المتفرج إلى سلوك التبني والمشاركة ولن أقول المبادرة. هل هي ثقافة الخوف من المواقف العلنية التي قد تحسب عليك وليس لك، ليصبح التجنب أسلوب حياة أكثر أماناً فالباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح .؟ أم هو شعور بعدم الثقة بالخطاب السياسي " بكافة دلالاته وتعدداته وأشكاله " بما فيها من نواتج النزاعات السياسية والحزبية والطائفية والولاءات الشخصية والعصبيات وسلسلة الامتيازات وما رشح عنها من ثوابت صارت عقيمة بكل ماضيها الحافل بالوعود الزائفة . أم هي مجرد خمول تحت مبدأ الاتكالية " شو دخلني – ما خصني – لها أهلها "؟ أم لأن الوطن اغترب عنا كما اغتربنا عنه وصار معنياً بفئة معينة حصراً ؟ وربما لأحد هذه الأسباب أو لكل الأسباب مجتمعة وربما لسبب لم أشّر إليه .. لكنها في المجمل مؤثرات سلبية أدت إلى تغييب معنى المواطنة، وتقليص دورها الشمولي، لتصبح فرض كفاية تسقط في الأداء عن الأغلبية، متوارين بضمير مرتاح، تاركين الساحة شاسعة وخالية أمام قلة مستفيدة- بمعنى الاستفادة الشخصية وهو معنى ضار وغير بناء - لا تجد من يزاحمها الكتف بالكتف.. ليست دعوة طارئة، لكن مناخات اليوم تستدعي منا أن نعيد ترتيب أوراقنا و أولوياتنا، إذ صار من غير اللائق وضع الوطن داخل دائرة الطباشير للمحاصصة وفق مفهوم الاستفادة فحسب، بل المفروض أن نقف على كافة مللنا ونحلنا واختلافاتنا لدعم الوطن – الرحم .. فننتمي كمواطنين إلى الوطن ... وهي المواطنة غير المؤدلجة.. دون أن ننسى تذكير هذا الوطن بأن ادراك واجباتنا لا تعني نسيان حقوقنا عليه . | |
|
| |
المهدي مذكر
عدد الرسائل : 67 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: رد: المواطنة الإثنين يونيو 02, 2008 4:47 pm | |
| الوطن والمواطنة في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب
الوطن والمواطنة مصطلحان يطرحان بتوسع في الكثير من الأوساط الثقافية، وقد تباينت آراء الكثير من المثقفين ما بين مؤيد وما بين معارض، فياترى ما موقف الإسلام منهما، وهل هما نقيضان لمفهوم الوطن الإسلامي الكبير، وهل الليبراليون هم أول من جاء بهما إلى بلاد المسلمين، وبهذا سبقوا الإسلاميين، مما حدا ببعضهم بالاشمئزاز من هذه المصطلحات، واعتبروها دخيلة عليهم، بل إن بعض الإسلاميين رفضوها واعتبروها وثنية جديدة جاءت إلى بلاد المسلمين عبر قطار الاستعمار الذي قسمها إلى دويلات متناثرة.
ولكن المتتبع لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب يجد الكثير من الإجابة على تلك الإشكاليات التي تواجهنا في هذا الزمان، فالوطن والمواطنة - من حيث المضمون - أمر متعارف عليه عند علماء المسلمين منذ القرون الثلاثة الأولى، ولكن جاءت بمسميات مرادفة للوطن مثل البلد أو البلدان، ومن حكمة علماء السلف أنهم يربطون كل ما يستجد عليهم بمصلحة الدين. فإن وافق الدين أخذوا به، وإن خالف تركوه وحذروا منه، وإن لم يوافق ولم يخالف، تركوا الاختيار لمن أراد.
أولاً: المواطنة في بلاد المسلمين
نقل صاحب كتاب الدرر السنية في جزء 9، صفحة 5 عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ما يلي (الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد من البلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام، لا يصح الا بالامام الأعظم) وقال أيضاً والكلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب (اختلفوا في الجماعة والافتراق، فذهب الصحابة ومن معهم إلى وجوبها، وأن الإسلام لا يتم الا بها، وذهبت الخوارج ومن معهم إلى الأخرى وإنكار الجماعة، ففصل الكتاب بينهم، بقوله تعالى {واعتمصوا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} (سورة آل عمران: 103).
وعندما قام الشيخ بتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتمثل في رجم الزانية، أنكر عليه بعض علماء وقضاة عصره بحجة أنه لا يوجد إمام، فرد عليهم بقوله (إذا صح كلامهم هذا فلا تصح إمامتهم للصلاة، ولا تصح ولايتهم القضاء). وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله (ت سنة 1293ه) (من عرف القواعد الشرعية، عرف ضرورة الناس وحاجتهم، في أمر دينهم ودنياهم إلى الإمامة والجماعة، وقد تغلب من تغلب في آخر عهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطوه حكم الإمامة، ولم ينازعوه كما فعل ابن عمر وغيره، مع أنها أُخذت بالقهر والغلبة، وكذلك بعدهم في عصر الطبقة الثالثة، تغلب من تغلب، وجرت أحكام الإمامة والجماعة، ولم يختلف أحد في ذلك، وغالب الأئمة بعدهم على هذا القبيل وهذا النمط) صفحة 19.
وقال الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله (ت سنة 1349ه) (وقد علم بالضرورة من دين الإسلام: أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة) صفحة 143.
وقال الشيخ عبدالله العنقري رحمه الله (ت سنة 1373ه) في نصيحته لبعض الشباب (وقد بلغنا أن الذي أشكل عليهم أن مجرد مخالطة الكفار ومعاملتهم بمصالحة ونحوها وقدومهم على ولي الأمر لأجل ذلك أنها هي موالاة المشركين المنهي عنها في الآيات والأحاديث، وبما فهمتم ذلك من «الدلائل» التي صنف الشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ، ومن سبيل النجاح للشيخ حمد بن عتيق) إلى أن قال (والإمام وفقه الله لم يقع في شيء مما ذكر فإنه إمام المسلمين، والناظر في مصالحهم، ولابد له من التحفظ على رعاياه وولايته من الدول الأجانب، والمشايخ رحمهم الله كالشيخ سليمان بن عبدالله والشيخ عبداللطيف، والشيخ حمد بن عتيق، إذا ذكروا موالاة المشركين، فسروها بالموافقة والنصرة والمعاونة والرضا بأفعالهم) صفحة 158.
وقال أيضا الشيخ عبدالله العنقري رحمه الله في الدرر السنية صفحة 162 عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (قال الشيخ - في السياسة الشرعية - ويجب أن يعرف أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا الدنيا الا بها، لأن بني آدم لا تتم مصلحتهم الا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من أمير حق، قال النبي صلى الله عليه وسلم، «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» رواه أبوداود من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنهما، وروى الإمام أحمد في المسند عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال «لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم».
فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الجمع القليل العارض في السفر، تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك الا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجب من الجهاد والعدل، وإقامة الحج والأعياد، ونصر المظلوم وإقامة الحدود، لا تتم إلا بالقوة والإمارة)، إلى أن قال والكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية (فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها الى الله عز وجل، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله أفضل القربات). وقال الشيخ عبدالله العنقري نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية في المنهاج (ومن المعلوم أن الناس لا يصلحون الا بالولاة، وأنه لو تولى من هو دون هؤلاء، من الملوك الظلمة - يعني يزيد والحجاج ونحوهما - لكان ذلك خيرا من عدمهم، كما يقال: ستون سنة مع إمام جائر، خير من ليلة واحدة بلا إمام، ويروى عن علي رضي الله عنه، انه قال: لابد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة، قيل له هذه البرة، قد عرفناها، فما بال الفاجرة؟ قال: يأمن بها السبل، وتقام بها الحدود، ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء) صفحة 159.
ثانياً: المواطنة في بلاد الكفار
أما المواطنة للمسلم في بلاد الكفار فقد تطرق لها جمع من علماء الدعوة، ومنهم الشيخ عبداللطيف رحمه الله حيث قال في الجزء 8 صفحة 335 (لابد في إباحة السفر إلى بلاد المشركين من أمن الفتنة فإن خاف بإظهار دينه الفتنة بقهرهم وسلطانهم أو شبهات زخرفهم وأقوالهم، لم يبح له القدوم إليهم والمخاطرة بدينه، وقد فر عن الفتنة من السابقين الأولين إلى بلاد الحبشة من تعلم من المهاجرين كجعفر بن ابي طالب وأصحابه).
وعندما سئل الشيخ عبداللطيف عمن كان في سلطان المشركين، وعرف التوحيد وعمل به، ولكن ما عاداهم ولا فارق أوطانهم؟
فأجاب: هذا السؤال صدر عن عدم التعقل لصورة الأمر، والمعنى المقصود من التوحيد والعمل به، لأنه لا يتصور انه يعرف التوحيد ويعمل به، ولا يعادي المشركين، ومن لم يعادهم لا يقال له عرف التوحيد وعمل به، السؤال متناقض، حسن السؤال مفتاح العلم، وأظن مقصودك: من لم يظهر العداوة، ولم يفارق، ومسألة إظهار العداوة، غير مسألة وجود العدامة، فالأول يعذر به مع العجز والخوف، لقوله تعالى {إلا أن تتقوا منهم تقاة} (آل عمران: 28) والثاني: لابد منه، لأنه يدخل في الكفر بالطاغوت، وبينه وبين حب الله ورسوله تلازم كلي، لا ينفك عنه المؤمن، فمن عصى الله بترك إظهار العداوة، فهو عاص لله، فاذا كان أصل العداوة في قلبه، فله حكم أمثاله من العصاة).. (وأما الثاني: الذي لا يوجد في قلبه شيء من العداوة، فيصدق عليه قول السائل: لم يعاد المشركين، فهذا هو الأمر العظيم، والذنب الجسيم، وأي خير يبقى مع عدم عداوة المشركين؟).
وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله (المتوفى سنة 1301ه) ما نصه (سئل أبناء شيخ الإسلام (أي أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب) رحمهم الله تعالى وعفا عنهم عن السفر إلى بلاد المشركين للتجارة؟ فأجابوا بما حاصله: أنه يحرم السفر إلى بلاد المشركين، الا اذا كان المسلم قويا له المنعة، يقدر على إظهار دينه) جزء 8، صفحة 412. وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله (ت سنة 1349ه) ما نصه (فمن أظهر دينه، جاز له السفر والاقامة، ومن لا يقدر على إظهار دينه، لا يجوز له السفر ولا الإقامة بإجماع العلماء، صفحة 47. أما قول بعض الإسلاميين من أن الوطن وثن يعبد من دون الله ولا يمكن القبول الا بالوطن الإسلامي الواحد ففيهم شبه ممن يرى بولاية من ينتظر عودته، وفي الختام ذكر جمع من العلماء ومنهم الشيخ عبدالله العنقري قبل ثمانين عاما تقريبا كلمة بليغة حيث قال (فإن الله سبحانه وتعالى لما من على (بعض الدعاة) في آخر الزمان بالاقبال على تعلم دين الإسلام والعمل به وكثر ذلك فيهم وانتشر، ورأى الشيطان منهم قوة في ذلك وحرصا على الخير، يئس منهم أن يردهم على حالهم الأولى التي انتقلوا منها، فأخذ في فتح أبواب من أبواب الشر، حسنها لهم وزينها وجعلها في قالب القوة والصلابة في الدين، وأن من أخذ بها فهم المتمسكون بملة إبراهيم، ومن تركها فقد ترك ملة إبراهيم، وهذا هو المعهود من كيد اللعين، كما أشار الى ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان، فإنه ذكر: ان الشيطان - لعنه الله - يشم قلب العبد، فاذا رأى فيه كسلا سعى في رده عن الدين بالكلية، وإن رأى فيه قوة سعى في حمله على مجاوزة الحق والزيادة على ما شرعه الله ورسوله، واذا أخبر بالأمر المشروع قال له الشيطان: ما يكفيك هذا، والواجب عليك شيء غير هذا) الدرر السنية جزء 9 صفحة 127، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
| |
|
| |
المهدي مذكر
عدد الرسائل : 67 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: رد: المواطنة الإثنين يونيو 02, 2008 4:49 pm | |
| الدين وحب الوطنهناك علاقة وثيقة بين التدين وحب الوطن، لأن الدين الحقيقي ينعكس أثره على علاقات الإنسان مع الأشياء من حوله، فتصبح تلك العلاقات قويمة واضحة، لذلك يكون حب الوطن جزءاً من الإيمان ومظهراً من مظاهره وفقاً للحديث الشريف ((حب الوطن من الإيمان)) (21). ولماذا لا يحب الإنسان وطنه ولا ينشد إليه؟ وقد ابتنى جسمه من غذائه وارتوى من مائه، واستنشق عبير هوائه؟ إن في ذلك دلالة على حالة من اللؤم وعدم الإنصاف. بينما يكون التعلق بالوطن والمحبة له أثر لتجذر الكرامة في نفس الإنسان يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ((من كرم المرء.. حنينه إلى أوطانه)) (22) وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه مكة المكرمة والهجرة إلى المدينة المنورة، عبر عن مشاعره الجيّاشه تجاه موطنه، وأبرز مدى تعلقه به، وألمه لفراقه كما عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند خروجه من مكة وقف على الحَزوَرَة (سوق بمكة) فقال: ((والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك)) (23). وذكر ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري في كتابه تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام في باب بعنوان (الشوق والحنين إلى الأوطان والوله إلى الأهل): أنه قدم أبان بن سعيد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبان كيف تركت أهل مكة؟ - فقال تركتهم وقد جيدوا، تركت الإذخر وقد اعذق، تركت الثمام وقد خالص، فاغرورقت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (24). وكان يقال: ((ميلك إلى مولدك من كرم محتدك)) (25). وحينما يتحدث الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) عن جهاد جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهوده يشير إلى فراق الوطن والغربة عنه كمفردةٍ بارزةٍ في معاناة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول (عليه السلام) في الدعاء الثاني من أدعية الصحيفة السجادية: ((وهاجر إلى بلاد الغربة، ومحلّ النأي عن موطن رحله، وموضع رجله، ومسقط رأسه، ومأنس نفسه لإعزاز دينك)) (26). وأيضاً في دعائه لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطلب الإمام زين العابدين لهم من الله الأجر والشكر لتحملهم عناء الهجرة عن أوطانهم فيقول: ((واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم)) (27) ويعلق أحد العلماء الأعلام على هاتين الفقرتين من دعاء زين العابدين (عليه السلام) بقوله: مع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة هاجروا إلى المدينة قاعدة الإسلام ومركز دولته وعبر عنها الإمام (عليه السلام) بأنها (بلاد الغربة) (28). وروي انه (صلى الله عليه وآله) لما خرج منها (مكة) مهاجراً التفت إليها وظن انه لا يعود إليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقة وبكى فأتاه جبرائيل (عليه السلام) وتلا عليه قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}، وقيل نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجرته وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم (عليه السلام) فنزل جبرائيل (عليه السلام) فقال له: أتشتاق إلى مكة؟ قال: نعم. فأوحاها إليه (29). | |
|
| |
المهدي مذكر
عدد الرسائل : 67 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: رد: المواطنة الإثنين يونيو 02, 2008 4:51 pm | |
| حدود الوطنتقع حدود الوطن في وعي الإنسان المسلم بين ثلاث دوائر متداخلة: الدائرة الأولى: الانتماء العقيدي، فالأمة الإسلامية أمة واحدة { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي } (30)، وبلادهم وطن للمسلمين جميعاً ،وكل أرض تحت سلطة المسلمين فهي دار الإسلام. وكان المسلمون سابقاً يعيشون هذا المفهوم العقيدي للوطن كواقع فعلي، حيث لم تكن هناك كيانات سياسية متعددة، ولا حدود جغرافية فاصلة، ولا تمايزات إقليمية تعوق حركة المسلم في بلاد المسلمين، وكان المسلم يتنقل من طنجة في الشمال الإفريقي إلى جاكرتا في جنوب شرق آسيا دون جواز سفر، أو تأشيرة دخول، ولا يقف عند حدود جمركية، ولا يحتاج إلى تبديل عملة نقدية. لكن الدولة الإسلامية قد تجزأت اليوم إلى خمسين دولة، بسبب الانحراف والابتعاد عن تعاليم الإسلام، ولسيطرة التخلف ومؤامرات الأعداء. وأصبحت الحدود المفتعلة بين الدول الإسلامية حاجزاً ضخماً يحول دون وحدة هذه الأمة وتكاملها السياسي والاقتصادي. بل أصبحت ألغاماً متفجرة تنشب بسببها الحروب الطاحنة والصراعات الدامية بين فترة وأخرى وقريب جداً ما حصل من حرب ضروس بين العراق وإيران استمرت لثمان سنوات وذهب ضحيتها أكثر من مليون مسلم من الشعبين، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي تقدر بمئات المليارات.. ثم ما حدث من غزو العراق للكويت والذي أربك العالم العربي والمنطقة بالخصوص وأعادها عشرات السنين إلى الوراء.. فعلى الصعيد الاقتصادي فقط كشف صندوق النقد العربي أن العرب خسروا (676) مليار دولار نتيجة الأزمة وحرب الخليج عامي 1990 م و 1991م. فقد بلغت خسائر العراق الاقتصادية (240) مليار دولار بينما لحقت بالكويت (237) مليار دولار. وان العالم العربي ككل خسر نحو (91) مليار دولار (31). ولا تزال العديد من مشاكل الحدود بين أكثر من دولة عربية وأخرى قائمة وعالقة. ويمكن القول بكل مرارة وألم أن الوطن الإسلامي بحدوده العقائدية أصبح الآن مجرد ذكريات عزيزة من تاريخنا الماضي وحلم وأمنية نتطلع إلى تحقيقها في المستقبل، نعم هناك مشاعر جيّاشة وأحاسيس فياضة تنبض في قلوب المسلمين الواعين تجاه بعضهم فتدفعهم إلى الحد الممكن من التواصل والتعاون في ظل حدود التجزئة القائمة والمفروضة. الدائرة الثانية: الكيان السياسي: حيث يعيش كل إنسان ضمن دولة يحمل جنسيتها، وترتبط قضايا حياته ومستقبله ومصيره بهذا الكيان، وإذا كان الإنسان المسلم يتمنى أن تندمج هذه الكيانات الإقليمية ضمن كيان إسلامي واحد كبير، فإن ذلك لا يعني أن لا يتحمل مسئولية تجاه هذا الكيان الذي يعيش ضمنه، ويتأثر بواقعه وأوضاعه ويشترك مع سائر المواطنين فيه سلباً وإيجاباً. إنه المصداق الأبرز والأقرب للوطن حسب الواقع المعاش. الدائرة الثالثة: الوطن العرفي: وتعني البلد والمنطقة التي ولد الإنسان ونشأ فيها مدينة كانت أو قرية، وإليها عادة تنشد مشاعر الإنسان ويتركز حنينه وشوقه، فحتى لو انطلق ضمن الدائرة الثانية يبقى منجذباً إلى هذه الدائرة. فنرى مثلاً أن المواطن عندنا قد يعيش ضمن أي منطقة من مناطق الوطن بداعي الدراسة أو الوظيفة أو أي سبب آخر لكنه يظل يتحين الفرصة للعودة إلى مدينته أو قريته والتي قد تكون أقل تطوراً وعمراناً من المنطقة التي أقام فيها. وهذه الدوائر الثلاث متداخلة والانتماء والولاء لكل دائرة منها لا يتناقض مع الولاء والانتماء للدائرة الأخرى بل يتكامل. بيد أن بعض التوجهات السطحية والمتطرفة قد تدفع باتجاه التناقض والتعارض بين هذه الدوائر، لكن الوعي السليم، والنظرة الواقعية تجعل الإنسان مواطناً صالحاً وفياً ضمن هذه الدوائر جميعاً. وكما يقول أحد المفكرين: " إن الانتماء الأكبر لا يعني إنكار وجود انتماءات ثانية وصغرى وفرعية.. فتلك حقيقة تشهد عليها الفطرة السليمة لدى الإنسان، فلدى المسلم السوي، الذي يمثل الانتماء الإسلامي هويته الأولى وجامعته العظمى، إحساس فطري بأن له انتماءات وولاءات صغرى وفرعية، تلي الانتماء الإسلامي، ولا تتعارض معه.. فالأمة الإسلامية كالجسد الواحد، لكن لهذا الجسد أعضاء، لا ينفي تميزها وتفاوتها وحدة هذا الجسد.. والفطرة الإنسانية تشهد على أن للإنسان منا ولاء وانتماء إلى "الأهل" بمعنى الأسرة والعشيرة.. وإلى "الشعب" في الوطن والإقليم الذي تربى ونشأ فيه.. وإلى "الأمة" -الجماعة- التي يتكلم لسانها ويشترك معها في الاعتقاد الديني.. ثم إلى الإنسانية التي خلقه الله وإياها من نفس واحدة. تشهد الفطرة السليمة. لدى الإنسان السوي على ذلك دونما تناقض أو تعارض بين هذه "الدوائر" في الولاء والانتماء ".. فهي أشبه ما تكون بدرجات سلم واحد، يفضي بعضها إلى بعض، وتدعم إحداها الأخرى، بشرط أن تخلو مضامينها من الشطحات العنصرية ونزعات الغلو في التعصب، التي تقطع الروابط بين هذه الدوائر.. فلا مشكلة في تعدد دوائر الانتماء، طالما قام وربط بينها الانتماء الأكبر وهو الانتماء إلى الإسلام... فالإنسان إذا عاد إلى فطرته السليمة فإنه سيجد حنيناً خاصاً إلى المكان الذي ولد فيه، وولاءاً للوطن الذي ضمن له الرعاية والحماية والخدمات، وانتماءاً للوطن الأكبر الذي كونت ذكريات انتصاراته وطموحاته وآماله وآلامه مخزون التاريخ والتراث.... " (32) | |
|
| |
المهدي مذكر
عدد الرسائل : 67 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: رد: المواطنة الإثنين يونيو 02, 2008 4:52 pm | |
| واجبات تجاه الوطنأولاً: إعلاء كلمة الله في بلدك: يطمح الإنسان إلى إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى فوق كل الأرض، وفي جميع أنحاء العالم ولكن الأرض التي يعيش فيها هي أقرب إليه، وهو الأقدر على أن يمارس هذا الدور فيها، صحيح أن واجب الدعوة والهداية هو واجب الإنسان المسلم تجاه العالم كله، ولكنه يجب أن يبدأ بالأقرب إليه،.. { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } (33).. { قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } (34).. { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } (35)، فواجب الإنسان المسلم أن يحاول في إعلاء كلمة الله، أول ما يحاول في بلده ووطنه، فينشر فيه الخير والمعروف، ويدعو إلى الصلاح و الإصلاح. ثانياً: الدفاع عن الوطن أمام المعتدين: يجب على الإنسان إذا ما تعرض وطنه وبلده إلى الاعتداء، أن يتحمل كامل المسئولية في الدفاع عن أرضه، والذود عن حياضه، وإذا لم يدافع عن بلده ووطنه فمن الذي يدافع عنه، هل سيدعو الآخرين إلى أن يدافعوا عنه ويحموه، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يخاطب أولئك المتخاذلين عن الدفاع عن ديارهم وبلدانهم فيقول: ((أي دار بعد داركم تمنعون)) (36) ، ويقول (عليه السلام): ((فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا)) (37). ثالثاً: التعاون مع المشاركين لك والمشتركين معك في وطنك: لا يعيش الإنسان منا في وطنه وعلى أرضه وحيداً كفرد، ولكن هناك آخرون يعيشون ويشتركون معنا في ظلال هذا الوطن، لنا ما لهم، وعلينا ما عليهم، وهم يحبون الوطن كما نحب، وينشدون إليه كما نحن منشدون إليه، وعلاقتنا بأرض الوطن هي علاقتهم به أيضاً، وهي القاسم المشترك بيننا وبينهم، وأن كانت العقيدة هي القاسم الأكبر والأعظم في إطار علاقتنا جميعاً، ولكن حتى لو لم تكن العقيدة واحدة، فالاشتراك معهم في العيش على أرض واحدة ووطن واحد، يوجد علاقة معينة، وارتباطاً إنسانياً لا بد منه، مع اختلاف العقيدة والدين.. و لذلك نرى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما هاجر إلى المدينة، وأقام المجتمع الإسلامي هناك، عمل صحيفة معروفة في السير والتاريخ (بصحيفة المدينة)، الصحيفة التي تحدثت عن علاقة المسلمين فيما بينهم ثم عن علاقتهم مع بطون اليهود المقيمين آنذاك في المدينة، ومما جاء في تلك الوثيقة الصحيفة.. قال ابن اسحاق: وكتب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس... وانه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم... وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جُشَم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته... وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم...)) (38). قال الدكتور وليم سليمان قلادة المحامي ونائب رئيس مجلس الدولة المصري سابقاً في محاضرة ألقاها في مركز اتحاد المحامين العرب للبحوث والدراسات القانونية في القاهرة وطبعت ضمن كتاب (التسامح الديني والتفاهم بين المعتقدات) سنة 1986 م قال تعليقاً على صحيفة المدينة: ((هذا نص اعتقد أنه لا يختلف مطلقاً عن النص الذي يقول أن هناك وحدة وطنية مع تعدد الأديان)) (39). وللعلامة المعاصر الشيخ محمد مهدي شمس الدين دراسة قيمة حول هذه الصحيفة تناولها فيها من حيث السند والمصادر ومن حيث المتن والفقرات ومن حيث المعاني والدلالات ضمن كتابه القيم (في الاجتماع السياسي الإسلامي) (40). فمع كونهم يهوداً ولكن الرسول أجرى معهم عقداً وطنياً ملزماً لماذا؟... لأنهم يشتركون مع المسلمين في وطن واحد يريد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل من هذا العيش المشترك على أرض المدينة محمياً من أي تصدع وخلاف، فألزم الجميع بتلك الوثيقة النموذج، للعيش المشترك على أرض المدينة لأنها وطن الجميع من مسلمين وغيرهم... وفي مثال آخر نجد قضية الجوار فحق الجار وحسن الجوار الذي هي في التشريع الإسلامي ليست مقيدة بالاتفاق في الدين، ويعني ذلك أن الجار له حقوق علينا بغض النظر إن كان مسلماً أو غير مسلم، فليس ضرورياً أن يكون جارنا يدين بنفس الدين لكي يصدق عليه ذلك العنوان، فحتى لو كان لنا جار غير مسلم فنحن ملزمون بعلاقة حسن الجوار وبكامل الحقوق له من قبلنا، فقد روي أن غلاماً لابن عباس ذبح شاة، فقال له ابن عباس: إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي. ثم كررها حتى قال له الغلام: كم تقول هذا؟ فقال: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل يوصينا بالجار، حتى خشينا أنه سيورثه. فابن عباس بنص هذا الخبر كان مجاوراً ليهودي، وكان يهتم بالإهداء إليه، كما يهتم بسواه، مراعاة لحرمة الجوار، ومعنى هذا أن الإسلام لا يفرق في مكارم الأخلاق وحقوق الاجتماع بين مسلم وأي مخالف آخر فالكل في نظره سواء (41). فحتى لو خالفنا جارنا في الدين، إلا أن ذلك لا يمنع أن يكون له نفس الحقوق التي للجار المسلم، إذ العيش المشترك على أرض واحدة، وفي جوار واحد، يوجب تلك العلاقة المشتركة في طبيعة التعاون والحقوق المتبادلة، وكلما كان الشعور بهذه العلاقة أكثر نضجاً، كان المواطنون أقدر على تحقيق الوحدة الوطنية، وبالتالي يكونون أكثر فاعلية في خدمة وبناء وطنهم، فبين أبناء الوطن الواحد تكون الآمال والآلام مشتركة ومتوحدة لذا نجد الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) يتألم للمرآة غير المسلمة -المعاهدة- كما يتألم للمرأة المسلمة على حد سواء وذلك حينما بلغه غزو جيش معاوية للأنبار واعتدائه على أهاليها يقول (عليه السلام): (ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعشها ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ". (42) فالإمام علي يذكر آلام المرآة المسلمة إلى جانب المرآة المعاهدة من غير المسلمين، لأن الإمام علي (عليه السلام) يريد أن يبين أن اشتراكهم في أرض واحدة ووقوعهم تحت نير ظلم وغزو واحد من قبل جيش معاوية، جعل مصير الآلام واحدة أيضاً، وإحساس الإمام (عليه السلام) تجاههم واحداً أيضاً، فالازم أن يكون شعورنا واحداً تجاه من يشتركون معنا في وطن واحد، مبنياً على التعاون الذي من شأنه أن يرفع عزة أوطاننا وبلداننا. فالوطن للجميع، المصالح واحدة، والخطر مشترك، والوطن كالسفينة الواحدة التي إذا تعرضت لأي خطر فالخطر على الجميع والنجاة للجميع. إذاً ما دام الوطن للجميع والخطر والخير للجميع أيضاً، فهذا الشعور المشترك بالخير والخطر، يجب أن يجعل الجميع في حالة تعاون دائم لدرء الخطر والعمل من أجل حصد الخير والمكاسب الحسنة، ومن السخف بمكان أن يؤدي اختلاف الرأي أو اختلاف المذهب أو اختلاف التوجه، للانقسام والصراع داخل البلد الواحد، هذا غير صحيح وهو خلاف للدين والعقل، فالدين والعقل يدعوان للتعاون ولتظافر الجهود من أجل الخير، كما يدعوان أيضاً إلى التوحد والوحدة، ما دام هناك سبب مشترك، وحتى لو لم يكن هناك عقيدة كاملة مشتركة في كل التفاصيل، فالاشتراك في الأرض الواحدة والوطن الواحد لابد أن يخلق علاقة طيبة وإيجابية..، والحكومات الواعية المخلصة لمصلحة الوطن ووحدته، هي التي يجب أن تعزز من شأن التعاون والوحدة بين المواطنين، تدعيما لأمن الوطن من الخلافات الداخلية، ولاستقراره الدائم، الذي ينعكس على عزة ونمو البلد ورفعته وتقدمه، ورد في الحديث (خير الولاة من جمع المختلف، وشر الولاة من فرق المؤتلف). رابعاً: أن يعمل الإنسان في سبيل تقدم وطنه ورفعة شأنه: الأوطان تعز بأبنائها، وتتقدم بهممهم وسواعدهم، فإذا ما تحرك أبناء الوطن وتفجرت طاقاتهم المبدعة، وكفاءاتهم العالية وخدموا وطنهم فلابد أن يتقدم الوطن ويعلو شأنه، أما إذا بخل أبناء الوطن، وتخلفوا عن ذلك، فسيؤدي ذلك التخلف، إلى التأخر والانحدار على المستويين الخاص والعام. فالواجب يحتم أن يتقدم الإنسان بعمله، لأجل أن يتقدم بلده ووطنه في شتى المجالات، فالعالم لا بد أن يظهر علمه ويعمل به من أجل خدمة وطنه وأبناء وطنه، والتاجر وصاحب المال لا بد وأن يستثمر أمواله وثروته لصالح بلده ووطنه، فإنشاء المشاريع وسد الاحتياجات الاقتصادية التي يحتاج إليها الوطن من تصنيع وإقامة الأعمال الناجحة والفاعلة كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى خير الوطن اقتصادياً وصناعياً، أما إذا تكدست الأموال وتجمدت في المصارف والبنوك، فسيؤدي ذلك إلى تخلف وتأخر هذا الوطن، إذاً فعلينا جميعاً أن نسعى كأفراد وجماعات لإجادة العمل وإتقانه، ورفع كفاءتنا المتخصصة علمياً وفنياً في جميع المجالات، من أجل ذلك الهدف النبيل السامي وهو خدمة الوطن والمساهمة الحقيقية والناضجة في رفعته وتقدمه. | |
|
| |
المهدي مذكر
عدد الرسائل : 67 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| موضوع: رد: المواطنة الإثنين يونيو 02, 2008 4:54 pm | |
| حقوق المواطنأولاً: الكرامة: إذا توفرت للإنسان أسباب ومدارك الكرامة، وشعر بأن كرامته محظية بالاحترام، يكون ذلك سبباً في انشداده إلى تراب وطنه ويعمق إحساسه بالانتماء إليه والولاء للجماعة فيه إذ يقر لهم بالاحترام مقابل احترامهم له..، القرآن الحكيم يتحدث عن أولئك الناس الذين تصادر كرامتهم في أوطانهم، ولا يكونون قادرين على الدفاع عن حرياتهم الأساسية في بلادهم، فهم مخيرون بين العيش في الوطن أذلاء مهانين أو الهجرة عنه طلباً لأجواء الحرية والكرامة، وحينئذ فالخيار الثاني هو المطلوب يقول تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (43) فالإنسان يجب أن لا يرضى لنفسه الإذلال والاستضعاف، وأن تصادر كرامته، إنما ينشد إلى وطنه، حينما تتوفر له الكرامة فيه، واحترام الآخرين له. ثانياً: الأمن: كلما شعر الإنسان بالأمن على نفسه وماله وعرضه، كلما زاد ذلك في حبه وانشداده وتعلقه بوطنه بل وأصبح أعمق وأكثر، وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا خير.. في الوطن إلا مع الأمن والسرور). (44) والإمام علي (عليه السلام) يؤكد ذلك بالقول: (شر الأوطان ما لم يأمن فيه القطان) (45) فإذا لم يشعر الإنسان بالأمن في هذا الوطن ومع كل انشداده النفسي والطبيعي، سيكون مضطراً إلى الخروج منه، لأن عدم الأمن يحرمه نعمة الاستقرار المكفولة لإنسانيته.. فالمسلمون الأوائل لماذا اضطروا للهجرة إلى الحبشة، لأنهم افتقدوا الأمن في مكة، فإيذاء قريش بلغ حداً كبيراً جعلهم يهاجرون إلى الحبشة، ولذلك أيضاً هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة بعد أن فقد الأمن على نفسه. إن هذا المثال في فقدان الأمن في الأوطان لا زال يتكرر في كل زمان ومكان مادام الصراع بين الحق والباطل قائماً، وكما نرى في عالمنا المعاصر كم من الناس يعيشون مشكلة اللجوء في بلدان أخرى غير بلدانهم، بسبب عدم توفر الأمن والسلامة على أنفسهم وأموالهم أهلهم، وذلك إما لسيطرة عدو ظالم أو وجود فتن ومظالم فيضطرهم ذلك إلى ترك أوطانهم والبعد عنها. ومما يدعو إلى الأسف والحزن أن نقرأ في إحصائية المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.. بأن 60 % من اللاجئين في العالم هم من المسلمين أي ما يقارب 18 مليون لاجئ في العالم.. (46) كل ذلك بسبب ماذا..؟ !! إنه بسبب الظلم والعدوان، وعدم الأمن في الأوطان التي للأسف تسمى إسلامية، كما استدعت الضرورة أن يلجئ الإنسان المسلم في كثير من الأحيان إلى دول أخرى غير إسلامية طلباً في الأمن والحرية على نفسه وماله وعرضه، فأي مأساة تلك التي نعيش فيها نحن المسلمين..؟! فنعمة الأمن في الوطن نعمة كبيرة يطمح إليها لإنسان ويطلبها ويحافظ عليها، ولذلك يبتهل المؤمن إلى ربه طالباً منه توفير نعمة الأمن له في وطنه كما نقرأ في دعاء سحر رمضان المبارك للإمام زين العابدين علي ابن الحسين (عليه السلام) (اللهم واعطني السعة في الرزق والأمن في الوطن) (47). ثالثاً: الكفاية الاقتصادية: للإنسان في حياته متطلبات واحتياجات مادية، والمفروض أن تتوفر له كفاية المعاش في بلاده لينعم بالعيش فيها وليصرف جهده وطاقته في عمرانها وتقدمها، لكنه حينما يفتقد ذلك في بلاده لأسباب مختلفة فهو إما أن يعيش الفقر والحاجة، وإما أن يغادر وطنه بحثاً عن لقمة العيش ومتطلبات الحياة.. إن توفر فرص العمل للمواطن، وقدرته على تحصيل متطلبات الحياة في بلده مظهر من مظاهر السعادة كما يقول الحديث الشريف عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام): (من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده) (48) بينما حياة الفقر في الوطن فيها من القسوة والعناء، ما يوازي ألم الغربة عن الوطن يقول الإمام علي (عليه السلام): (المقل غريب في بلدته) (49). وقال (عليه السلام): (الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة) (50). فإذا ما ضاق على الإنسان رزقه في بلده فسيعيش كأنه غريب، وفي المقابل إذا ما توفرت له كفاية المعاش في بلد آخر فسيكون له ذلك البلد الذي اغترب إليه وطناً بديلاً، ونحن نرى الآن كم أيدٍ عاملة وخبرات علمية تضطر إلى الاغتراب عن أوطانها بحثاً عن رزقها وكفايتها الاقتصادية انهم كأي بشر يعشقون أوطانهم ولا يرغبون في فراق ذويهم لكن الحاجة تضطرهم إلى ذلك. من هنا كانت دعوة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) لمكة المكرمة بعد بنائه البيت الحرام تنص على مطلبي الأمن وكفاية المعاش كما ينقلها القرآن الكريم (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) (51). اللهم آمين والحمد لله رب العالمين. | |
|
| |
المهدي مذكر
عدد الرسائل : 67 تاريخ التسجيل : 28/11/2007
| |
| |
ندى الكشفية المراقبة العامة
البلد : maroco عدد الرسائل : 1867 العمر : 49 الموقع : scout العمل/الترفيه : ************ عالي جدا : رائع جدا جدا تاريخ التسجيل : 13/03/2008
| موضوع: رد: المواطنة الأربعاء يونيو 04, 2008 8:31 am | |
| | |
|
| |
هشام
عدد الرسائل : 359 العمر : 57 الموقع : av.com العمل/الترفيه : tech تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: رد: المواطنة الخميس يونيو 05, 2008 5:59 pm | |
|
عدل سابقا من قبل d.hicham في الخميس يونيو 05, 2008 6:11 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
هشام
عدد الرسائل : 359 العمر : 57 الموقع : av.com العمل/الترفيه : tech تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: رد: المواطنة الخميس يونيو 05, 2008 6:02 pm | |
| [إن الكلام عن المواطنة ومحاولة تعريفها يقتضي منا العودة إلى الجذر الذي أتت منه الكلمة، ألا وهو الوطن. وللأسف تبدو صورة الوطن مبهمة عند الكثيرين في بلادنا. فهي ملتبسة مع مفهوم الدولة ولكل منهما تعريفه الخاص به ومعناه المستقل. فالدولة هي الشكل التنفيذي والمؤسساتي للوطن. وهي أيضاً بدورها شيء مختلف جذريا عن النظام الحاكم.
الوطن هو المتحد، أي الحيّز الجغرافي الذي تعيش وتعتاش عليه مجموعة بشرية معينة، حيث يتفاعل الأفراد مع بعضهم ومع الأرض التي يقطنون عليها، وذلك على مر الزمان. أي أن الوطن ليس علاقة عابرة، مؤقتة وقصيرة، بل هو مجموعة من العلاقات الإنسانية والعاطفية والثقافية والمادية، عمودياً وأفقياً.
الكارثة التي حصلت تتلخص بالتشويهات المتعاقبة التي حّلت على هذا التعريف، فمسخته وغيرته حتى أصبح تارة يتماهى مع النظام وتارة أخرى يعني المؤسسة التنفيذية أو المؤسسة الحزبية.. والمواطن ليس فقط مجرد فرد في هذا الوطن، والمواطنون ليسوا قطيعاً أبلها لا يستطيع غير أولي الرأي والمعرفة قيادته، بل هو قطعاً الوحدة الأساسية في بناء الوطن، وذلك بتواجده الفاعل الايجابي، وليس كينونته المنفعلة السلبية. ودون الاعتراف بالمواطن ودوره الفاعل لا يمكن أن يكون هناك وطن، بل مزرعة كبيرة أو سجن محكم الإغلاق. والوطن في النهاية هو كما نراه وكما نصنعه ونعيشه، وليس وصفة جاهزة أو قراراً دولياً.
المواطنة: تفترض هذه الكلمة القدرة على ممارسة حقوق المشاركة في العمل العام، أي الانتخاب والترشح للمناصب المختلفة، الوصول إلى المراكز الإدارية، والتعبير عن الرأي بشكل حر في الفضاء العام. ولكن هنا ينشأ التساؤل التالي: هل مشاركة المواطنين في الشأن العام تكون بصفتهم الفردية أم على العكس كأعضاء في جماعات معينة؟ وهنا نجد رؤيتين مختلفتين لهذا الموضوع الشائك: الرؤية التي تبلورت بعد الثورة الفرنسية كما وضعها اليعاقبة، والرؤية التي اعتمدها آباء الثورة الأمريكية وحرب الاستقلال.
في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، فإن السود والناطقين بالإسبانية والهنود الحمر والحركات النسوية والمثليين جنسيا يطالبون، وأحيانا بنجاح، الحصول على موقع يسمح لهم بتأكيد ذاتهم سياسيا كجماعة في سبيل الدفاع عن هويتهم الخاصة. وعلى العكس من ذلك في فرنسا، حيث يسيطر مفهوم مختلف قائم على المساواة بين المواطنين وعلمانية الدولة، وهذا يحظر الاعتراف بهوية الجماعة المستقلة في الحقل العام. وبالواقع، فإنه منذ الثورة الفرنسية كان التيار المشجع على تحرر اليهود يطرح المقولة التالية: يمكن الحصول على كل الحقوق كأفراد، ولا يعطى أي حق للجماعة.
النظرية الفرنسية: إن مفهوم المواطنة الكلي أو الشامل يشدد على وحدة الجسم الاجتماعي المؤلف من اتحاد حر لأفراد مستقلين عن كل أشكال التبعية، وتتحدد هوية المواطنين فقط بالرباط السياسي الذي يجمعهم أي التساوي بالحقوق أمام القانون. ولا يؤخذ بعين الاعتبار علاقتهم أو ارتباطهم الديني أو العرقي أو الثقافي أو الجذري. وان كانوا من جهتهم يعرّفون أنفسهم على مستوى الهوية اعتبارا من أحد هذه المعايير. وهذا النموذج هو المثال الأعلى لدى "روسو" حيث المواطن مساو تماما للآخرين جميعهم، ويساهم معهم على قدم المساواة في تشكيل الإرادة العامة.
لقد قلبت الثورة في فرنسا مفاهيم المجتمع المقسم إلى أجزاء ومراتب وطبقات، والذي يمارس التمييز بحق الأقليات الدينية. وبَنَت النظرة اليعقوبية للمواطنة مركزية الدولة كتتويج وامتداد للتوجه العلماني للدولة. لذلك نلاحظ في هذا المفهوم رغبة جامحة في الاستيعاب الثقافي، بإرادة لا تحترم العادات واللغات المحلية. كما أن المفهوم العلماني للدولة يرفض بشدة ومنذ المدرسة الابتدائية كل تعبير عن الانتماءات الدينية. وتذهب فرنسا في ذلك أبعد بكثير من الديمقراطيات الغربية الأخرى في نفي ورفض الارتباطات بالهوية الخاصة.
النظرية الأمريكية: ولم يكن ممكنا للرؤية اليعقوبية أن تنجح تماما أثناء الثورة الأمريكية في 1776 ، لأنها ببساطة كانت ستؤدي إلى إلغاء الرق والاعتراف بمواطنة الهنود الحمر. ومع ذلك تبدو بعض ملامح هذه الرؤية في الشعار الأمريكي الداعي إلى ذوبان جميع موجات المهاجرين في أمة واحدة حسب نظرية قدر التذويب Melting pot .
ومن هذه الرؤية فإن الإيديولوجية الليبرالية التي تسيطر على المجتمع تضع في المقام الأول الفرد وقدرته الشخصية على المبادرة والإبداع عوضا عن تفضيل مفهوم التضامن المجتمعي. ونجد المفهوم المتعدد الثقافات في الفضاء الانكلو-ساكسوني بشكل أساسي وهو يتلاءم أكثر لمواجهة التحديات التي يطرحها مجتمع متعدد الأعراق، كما هي الحال مثلا في أوروبا الشرقية أو بلاد البلقان. ولقد انتقد كثير من المؤلفين الأمريكيين والكنديين المفهوم الفرداني (individualiste) للمواطنة، منهم Michael Sandel, Alasdair MacIntyre, Charles Taylor... آخذين عليه انه يتعاطى مع فرد دون أي عمق اجتماعي أو إنساني. فمن المعروف أن كلاً منا اكتسب نتيجة ولادته في بيئة محددة، لغة ونقاط مرجعية ومعتقدات وتاريخ، أي إرثاً ثقافياً يكوّن بشكل جازم هويته. وبالنسبة لتايلور فإن الفرد لا يمكن أن يحقق ذاته دون أن يتموضع بالنسبة لهذا "الأفق" الثقافي والتاريخي والعائلي الخاص به.
ومن أجل ذلك فإن المجتمع الليبرالي الحقيقي يجب أن يشجع الأفراد على المثابرة في بحثهم عن حقيقتهم لتحقيقها، وذلك بحمايته لخصوصية كل جماعة. وبشكل خاص الجماعات الضعيفة أو المهددة أو المهمشة في وضع دوني.
كانت هذه الضمانات الحقوقية في الماضي تُمنح للأقليات اللغوية الثقافية أو الدينية تحت رعاية الأمم المتحدة. ومن تطبيقات ذلك نجد اليوم ما ندعوه سياسة التمييز الإيجابي، على الأقل مرحليا، مثل تحديد كوتا لصالح عدد النساء في الحياة العامة، كأن يكون هناك عدد محدد منهن في مجلس النواب مثلا، وهذا ما يدعى الفعل التأكيدي Affirmative Action في الولايات المتحدة الأمريكية لصالح أقليات السود أو الناطقين باللغة الأسبانية، ونجد ذلك أيضا في التشريعات اللغوية في كيبيك أو بلجيكا مثلا، بهدف تأمين حماية لغة أو ثقافة مهددة.
وفي تنوعاتها الأكثر انفتاحاً، تشكل التعددية الثقافية تعميما لليبرالية والتسامح نظرا لحرصها على الاعتراف لمختلف الهويات الأساسية التي تعبر العالم المعاصر بحقها بالتواجد في الفضاء العام للمجتمع. بينما نرى أن الفردانية الكلاسيكية تكرس في الحقيقة حقوق الثقافة السائدة فقط.
ومن الهام أن نوضح أن التعددية الثقافية ترفض في الوقت ذاته أن تنغلق التجمعات الإثنية أو الدينية على نفسها، وأن تحرم أفرادها من حقهم في اختيار الهوية التي تلائمهم (مثل الانتقال من دين لآخر، الاندماج بمجموعة لغوية أخرى، الهجرة...). يقول "تورين": ليس هناك ديمقراطية بدون وعي بالانتماء إلى جماعة سياسية. والديمقراطية تقوم على مسؤولية مواطني البلاد فإذا لم يشعر هؤلاء أنهم مسؤولون عن حكومتهم فلا يمكن أن تكون هناك صفة تمثيلية للحاكمين ولا اختيار حر لهم من قبل المحكومين.
وللوعي بالانتماء وجهان متكاملان، فوعي المرء بأنه مواطن هو وعي ظهر خلال الثورة الفرنسية وكان مرتبطا بالدرجة الأولى برغبة الخروج من النظام القديم ورفض الانقياد والإذعان. أما الوعي بالانتماء إلى طائفة معينة فهو لا يتعارض مع الحد الأدنى من السلطة. إذ أن السلطة المطلقة تستعمل الأفراد والجماعات كموارد ووسائل، لا كمجموعات تملك استقلالية معينة في تسيير أمورها ولها شخصية اجتماعية.
لكن الانتماء الطائفي يشكل من جهة أخرى الجانب الدفاعي من وعي ديمقراطي، إذ هو ساهم في تخليص الفرد من هيمنة مجتمعية وسياسية ما. ولأن الانتماء إلى طائفة قومية كان مرتبطا كل الارتباط بولادة عدد من المؤسسات الحرة في أميركا وبريطانيا وفرنسا فإنه ارتبط في هذه البلدان بقوة بالفكر الديمقراطي. هناك بلدان كثيرة في العالم لم تتوصل بعد إلى بناء وحدتها القومية، وما زالت الانتماءات الضيقة فيها أهم من الانتماء إلى مجموعة قومية واحدة. أي أن الأفراد يتحدون بناء على ما هم عليه أكثر مما يتحدون بناء على فهمهم للحياة الاجتماعية.
إنه من المستحب أن يصار إلى الاعتراف بالأقليات في المجتمعات الديمقراطية، شرط أن تعترف هي بدورها بقانون الأكثرية، وأن لا تكون مأخوذة بتأكيد هويتها وفي الدفاع عن هذه الهوية. فالتعددية الثقافية الراديكالية، التي تذهب كما في أميركا إلى أنها سليمة سياسيا، تفضي إلى القضاء على الانتماء إلى المجتمع وإلى الأمّة. فإذا عمدت كل مجموعة ثقافية أو عرقية أو دينية إلى تحديد نفسها قبل كل شيء بما هي عليه، فكيف تحافظ الديمقراطية على نفسها عندئذ ما دام هؤلاء لا يرون في المؤسسات إلا وسائل لخدمة نخبة مهيمنة أو على العكس من ذلك لخدمة مصالحهم الخاصة؟
ويلتقي هذا المنهج مع سلوكات القطيعة التي تنهجها اليسارية السياسية حيث قاطعت الانتخابات خوفا من أكثرية محافظة كبيرة الحجم. ودفع ذلك البعض خاصة في ألمانيا وإيطاليا في بداية السبعينات من القرن الماضي إلى النشاط الإرهابي. وكانت هذه القطيعة مع أكثرية تُعتبر بمثابة المُستلبة خطرا يتهدد الديمقراطية التي تفترض ثقة معينة بتصويت الأكثرية. فالديمقراطية لا تتلاءم مع رفض الأقليات لكنها لا تتلاءم أيضا مع رفض الأكثرية من قبل الأقلية، ولا مع التأكيد على الثقافات المضادة والمجتمعات البديلة التي لا تعود تحدد نفسها بموقعها التنازعي من المجتمع، بل برفضها لهذا المجتمع باعتباره عنواناً للهيمنة.
فينبغي للمرء إذا أن يطرح بالقوة نفسها كلا من الفهم اليعقوبي للمواطنة والتعددية الثقافية المتطرفة التي ترفض كل أشكال المواطنة. ذلك انه لا وجود للديمقراطية بدون الاعتراف بحقل سياسي يتم فيه التعبير عن التنازعات المجتمعية، وتُتخذ فيه عبر التصويت بالأكثرية قرارات معترف بشرعيتها من جانب المجتمع ككل. إن الديمقراطية تستند إلى فكرة التنازع المجتمعي، لكنها لا تتفق مع النقد الراديكالي للمجتمع بأسره ولا مع التعددية الثقافية المتطرفة.
ليس موضوع المواطنة والتعددية في المجتمع من المسلمات والبديهيات. ومن الجلي أن لكل منطقة ولكل مجموعة بشرية شروطها الموضوعية الخاصة بها. والديمقراطية قبل كل شيء ثقافة مجتمعية ومنظومة فكرية يجب أن تشمل كافة مناحي الحياة، في المدرسة والعائلة والعمل والحياة العامة[/quote] | |
|
| |
| المواطنة | |
|