القائدة المفقودة
المركز الكشفي الدائم – سميط
كان صيف عام 2000 حافلا بالبرامج والفعاليات والأنشطة الكشفية ( تمهيدية شارة للقادة وأخرى للقائدات ودورة لعرفاء الطلائع وأخرى للعريفات وشارة خشبية للقادة والقائدات والمخيم الكشفي التدريبي الثالث لمجموعتي الكشفية ( مجموعة كشافة ومرشدات الفوار ) والاستعداد للذهاب إلى جمهورية مصر العربية على رأس وفد طلبة جامعة الخليل للمشاركة في الملتقى الفني الثقافي الرياضي الثاني بجامعة قناة السويس في مدينة الاسماعلية .
معسكر السميط – آه يا معسكر السميط
في اليوم الأول استقبلنا القائدات الدارسات 23 سنة فما فوق وكذلك المشاركات في دورة عريفات الطلائع من عمر 12- 17 سنة وقد تم بناء المخيم بأكمله ومر اليوم الأول بسلام .
وقد جاء اليوم الثاني وبعد أذان المغرب انقطعت الكهرباء عن المنطقة جميعها فأسرعت وأحد زملائي في هيئة التدريب لشراء جالون من الجازولين ( الكاز ) وبعض علب الشمع لإضاءة المعسكر بسيارته الخاصة من قرية النصارية والتي تبعد عن مكان الدراسة والمعسكر حوالي ثلاثة كيلو مترات وعدنا إلى المعسكر وقمنا بتعبئة مصابيح الكاز لاستخدامها وكل شيء على ما يرام .
وكان في ذلك اليوم على البرنامج حفل سمر والكل مستعدا استعدادا تاما وبتحضير من الدوري وحضر الجميع وبالتقاليد الكشفية بكلمة من قائد الدراسة وإشعال نار السمر والصيحات والأناشيد الكشفية والأغاني الوطنية اتسمت بالابتكار والإبداع والتأليف ..... إلخ ) .
وفي تمام الساعة الحادية عشرة تم إطفاء النار وقبل الاستعداد للخلود إلى النوم جرى عملية التتميم لجميع المشاركات في الدراسة فوجدنا أن هناك قائدة غير موجودة وبعد تفتيش أرض المخيم بالكامل حتى غرف هيئة التدريب ، والكل بدأ يتوجس أنه حدث مكروه وكانت الصدمة والصاعقة والشعور بالاستهجان وأنتم كما تعلمون أن المجتمع الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من الوطن العربي فهو شعب محافظ على دينه وقيمه ، وعاداته وتقاليده ، مجتمع غيور خاصة على بنات شعبه .
قفزت وانطلقت مسرعا كالرصاصة نحو غرفة هيئة التدريب لإحضار مصباحي اليدوي وكان رحمه الله القائد اللواء عمر حسين شويكة يقوم بتجهيز مكان جلسة هيئة التدريب التقييمية اليومية .. نظر إلى وجهي ورآني مرتبكا بعض الشيء على غير عادتي وحازما في نفس الوقت وقال لي : ما بك ؟؟؟ ماذا حصل ؟؟؟ هل يوجد شيء ؟؟؟ أسئلة مثل سرعة البرق وقلت له : يوجد قائدة مفقودة .
صدقوني في البداية كنت أفكر وأعتقد أنها لعبة كشفية ليلية اسمها ( الابن الضائع ) لكن لا يوجد هذا النشاط على البرنامج .
الكل بدأ يبحث مرة أخرى عن القائدة الضائعة في داخل المخيم ... عندها سألت القائدات المشاركات معها في الخيمة متى رأيتموها فقالت إحداهن رأيتها بعد أذان المغرب بقليل تستقل سيارة ( مركبة )خاصة عند باب المعسكر ، فقلت لها هل هي طلبت إذنا من قائد الدراسة ؟؟؟ قالت : لا ادري !!!
وتابعت كلامها : هذه القائدة تعاني من مشكلة عاطفية ومشاكل نفسية سيئة وكل هذا الحديث دار بسرعة ... لأنه لا يوجد وقت للتفكير . مع العلم أن القائدة عندما أتت إلى المعسكر كانت طبيعية جدا وعمرها يتراوح حوالي 25 سنة ومن الناحية الأخرى تعمل معلمة في سلك التربية والتعليم ومن الناحية الثالثة مرشحة للدراسة ورابعة اجتيازها لمرحلة إعداد القادة منذ عام أو أكثر وعندها التجربة في التخييم وتعليمات الدراسة . لكن لا غرو من كل هذا وذاك والأهم أن نجد القائدة .
كما قلت لكم آنفا كان الظلام موحشا وكذلك أن أرض المخيم والتي أهداها القائد الشهيد الراحل ياسر عرفات لجمعية الكشافة والمرشدات الفلسطينية ومساحتها حوالي خمسة وأربعون دونما هي من الأراضي الحكومية والتي أخلاها الاحتلال الصهيوني بعد دخول السلطة الوطنية الفلسطينية ، وكان الاحتلال يستخدم الأرض لأغراض عسكرية وصيانة الدبابات والمدافع والمجنزرات والمركبات العسكرية ، وهذا خطر آخر من المخاطر خوفا من وجود بعض مخلفات الجيش من ألغام ورصاص.
انطلقت مسرعا نحو الأراضي المجاورة وبدأت أسير بهدوء تام وبحذر شديد ومصباحي اليدوي في يدي وبالأخرى العصا الكشفية وكذلك صافرتي وبدأت أشعل ضوء المصباح بشكل دائري وبشكل متقطع وأصدر صفيرا حتى أسمع منها جوابا أو نداء استغاثة .... قلت في نفسي ربما ذهبت لقضاء الحاجة في الوحدات الصحية ( الحمامات ) والبعيدة شيئا ما عن أرض المخيم ومع علمي ويقيني أنها غير صالحة للاستخدام ، فدخلتها الواحدة تلو الأخرى لكن دون جدوى .... فعدت بخفي حنين مكفهر الوجه .. متهالك الخطوات وأقول في نفسي ماذا ستكتب الصحافة عن مخيمنا غدا ؟؟؟؟ وماذا ستقول الإذاعات ... ( فتاة فقدت آثارها في معسكر كشفي ) إنها مشكلة حقيقية في المجتمع الفلسطيني .
لكن قد يتبادر إلى ذهنك وربما البعض يقول : كيف خاطرت بنفسك في منطقة محفوفة بالمخاطر لتلقي بنفسك إلى التهلكة وتعلم أنها غير نظيفة من مخلفات الاحتلال من الألغام ......؟؟؟؟ وأنا أقول لكم : ان هذه الدراسة وهذا المعسكر سبقه دراسة للقادة وقد درست دراسة فاحصة وتجولت في المنطقة نهارا وتعرفت على كل شيء فيها من أماكن للمبيت والغرف والوحدات الصحية والأشجار والنباتات وجميع الطرق والممرات المؤدية للمخيم وليس على قائد له خبرة أن يعمل هكذا دراسة ، لأن هذا من لزوميات التخطيط للمخيمات وليس من الواجبات فقط .
الكل حائر والكل مشدوه البال والكل خائف ماذا نعمل ؟؟؟ كيف نتصرف؟؟؟ فطلبت أن يعقد اجتماعا لهيئة التدريب من قائد الدراسة وكان الاجتماع سريعا وعاجلا وطلبت أن أصطحب معي قائدة الفرقة لأقوم بتفتيش الخيم الواحدة تلو الأخرى تفتيشا دقيقا وخاصة الفراش وأغطية النوم وكانت القائدة تفتش وأنا أراقبها من باب الخيمة وكان جل تركيزي على خيمتها ، بدأت القائدة تسحب الفراش والأغطية واحدة .. واحدة وكانت المفاجأة والمصادفة الجميلة أننا وجدنا القائدة المفقودة ، وبعد البحث لقد قامت زميلتها بإزاحة الأغطية عليها وهي لا تدري بسبب الظلام في الخيمة وعدم درايتها بأن هناك قائدة نائمة فصحت بأعلى صوتي فرحا وجدناها ... وجدناها .
وبعد الحديث معها قالت : شعرت بصداع شديد في رأسي وذهبت لأرتاح في خيمتي وجاءني النعاس ونمت .
الجميع كان فرحا ومسرورا فتقدمت إحدى العريفات أمامي لتشكرني : وأذكر يومها وهو يوم لا ينسى اسمح لي قائدي أن نقول لك القائد الفدائي .
وبعد برهة قصيرة اجتمعت هيئة التدريب لتعقد اجتماعها لدراسة جدول الأعمال واتخاذ القرارات والتوصيات وأقرت باكتفاء القائدة الواشية بحضور الدراسة وحرمانها من ممارسة العمل الكشفي والإرشادي لأنها لم تعط تفسيرا مقنعا .
موضوع: القائدة المفقودة 
الإثنين مايو 17, 2010 1:08 pm
